النية في الأعمال الخيرية: لماذا النية تُغيّر كل شيء؟

النية في الأعمال الخيرية: لماذا النية تُغيّر كل شيء؟
٠٩ سبتمبر ٢٠٢٥

لقد أولى دين الإسلام الحنيف الكثير من الأهمية للنية خلف الأعمال الخيرية، فترى الكثير من الأحاديث والآيات التي تتناول النوايا. ولكن، لماذا؟ وما الذي يجعل النية بهذه الأهمية خصوصًا بنظر الشرع؟ وكيف تستقيم النية ونحصد ثمارها؟ كل هذه الأسئلة سنتناولها في هذا المقال.

ما المقصود بالنية في العمل الخيري؟

تعرّف النية بأنها الدافع والشعور الداخلي الذي يحرك الإنسان للعمل والعبادة، أي أنها الإرادة، ومحلّها القلب. وقد أعطى الإسلام مكانة كبيرة لها كما في قول رسول الله—صلى الله عليه وسلم—: " إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى". أما في عمل الخير، فهي الإجابة على سؤال: لماذا أعطي؟ هل أفعل ذلك بدافع الشهرة؟ أم بدافع الواجب؟ أم لأني أرى في وجع الآخرين شيئًا من إنسانيتي؟ 

ولذلك تكون النية هي جوهر العمل، والفرق بين عملٍ آليّ لا روح فيه، وآخر ينبع من الإحساس والمسؤولية.

كيف تؤثر النية الصادقة على قيمة العمل التطوعي؟

في ميزان الشرع، لا تُقبل الأعمال إلا بنية خالصة لله، فإن كانت بدون نيّة، فإن فاعلها يُجزى دنيويًا. كما أن النية الصادقة تضفي على العمل التطوعي قيمة معنوية وأخلاقية لا تُقدّر بثمن، فهي تحوّله من مجرد أداء لواجب اجتماعي إلى فعل إنساني نابع من القلب. وعندما يشعر المتطوّع بعمق الأثر الذي يُحدِثه، يصبح أكثر التزامًا واستمرارية، حتى دون انتظار مقابل أو تقدير. كما أن النية تنعكس في طريقة تقديم المساعدة، مما يعزز من ثقة الآخرين ويزرع فيهم الإيجابية والأمل. فالعمل التطوعي لا يُقاس فقط بالنتائج الظاهرة، بل بجوهره النابع من الرغبة الحقيقية في خدمة الآخرين.

نية الخير تغيّرنا نحن أولًا

للنية أثر كبير علينا نحن أولًا قبل أي شيء، لأنها تزرع فينا شعورًا داخليًا بالرضا والسلام، وتفتح أعيننا على معانٍ أعمق للعطاء والتواصل الإنساني. إذ أنّ العمل بإخلاص لا نُحسّن حياة الآخرين فقط، بل يعيد تشكيل دواخلنا فتصبح قلوبنا أكثر رحمة، ونظرتنا للعالم أكثر وعيًا. لذا، فالنية الطيبة لا تغيّر ما حولنا فقط، بل تترك أثرًا هادئًا ومستمرًا فينا.

النية في السرّ والعلن: هل النية تُختبر عندما نُظهِر العطاء؟

قد يلبس على الناس أحيانًا الفرق بين العطاء العلنيّ والرياء، الذي يعني إظهار الأعمال الصالحة أو العبادات أمام الناس بقصد طلب الثناء والمدح منهم. لكن، ليس كل عطاء علني رياءً، وليس كل سرية إخلاصًا! بل إن النية هي المعيار الفارق؛ فمثلًا، قد يكون إظهار العمل الخيري دافعًا للناس ليقتدوا. 

ولكن، من المهم أن نتذكر أنّ النية تُختبر بقوة عندما نُظهِر العطاء، لأن التحدي الأكبر يكمن في الحفاظ على صفاء النية في حضور الأنظار. ففي السرّ، يكون القلب أقرب إلى الإخلاص، أما في العلن، فقد يتسلل الرياء خلسة، أو يسعى الإنسان–ولو بلا وعي–لنيل إعجاب الآخرين أو رضاهم. ولهذا، من المهم استحضار مخافة الله والنية الحسنة في كل عمل، سري أو علني. 

ما حكم القيام بأعمال الخير بدون النية؟ 

في الشريعة: النية هي أساس القبول، لذا، فالقيام بالأعمال الخيرية بدون نية يفقده الكثير من الأجر والثواب. ولكن، من رحمة الإسلام، أن هذا لا يعد معصية، فمن يعمل الخير – كالتبرع، أو المساعدة، أو التطوع – بدافع العادة أو المجاملة، دون أن يقصد وجه الله أو نفع الناس، فعمله يبقى حسنًا من حيث الأثر الدنيوي، لكن قد لا يُكتب له الأجر الكامل في الآخرة. ومع ذلك، يُرجى له الخير إن حصل منه نفع، وقد تكون النية لاحقة؛ فبعض العلماء قالوا إن من نوى بعد الفعل نية صادقة قد يُثاب، خاصة إن تكرّر العمل وصحّحه في قلبه.

ولهذا، فإنّ النية تُحوّل الفعل العادي إلى عبادة، وتُضاعف الأجر، أما بدونها، فيبقى العمل ناقص الثواب، ولو نفع الناس.

كيف نُجدد نوايانا في كل عمل خيري؟

تجديد النية في كل عمل خيري هو سرّ الثبات والإخلاص، ويبدأ بلحظة صدق بين الإنسان ونفسه. قبل الشروع في أي فعل، ينبغي أن نستحضر لماذا نقوم به، ولمن نقوم به. فكلما وقفنا مع أنفسنا وأعدنا ربط أفعالنا برغبة خالصة في وجه الله أو نفع الناس، عادت النية إلى مسارها الصحيح. وأثناء العمل، قد تتسلل دوافع أخرى كالمدح أو حب الظهور، وهنا يأتي دور المجاهدة الداخلية، بتذكير القلب أن القيمة الحقيقية للعمل تكمن في صدقه لا في صدى تصفيقه. وبعد الانتهاء، يكون الدعاء وسيلة لطهارة النية: "اللهم اجعلها خالصة لك." فبهذا التكرار الواعي، نحافظ على نقاء قلوبنا ونمنح أعمالنا الخيرية وزنها الحقيقي.

لماذا تنجح حسن النية حتى لو كان العطاء بسيطًا؟

في الختام، نذكركم أن العطاء لا يُقاس بحجمه، بل بأثره، والنية هي ما يُعطي لهذا الأثر معناه؛ فكم من كلمة طيبة أو ابتسامة عابرة أحدثت أثرًا عميقًا لأنها خرجت من قلبٍ مخلص! وفي ميزان الله، ما يُقدّر هو صدق التوجّه، لا وفرة العطاء، فالكلمة الطيبة، والابتسامة، والاستماع لمحتاج، كلها أفعال قد تبدو صغيرة، لكنها تُثمر إن خرجت من نية حسنة.

ابق على اطلاع بأحدث المدونات

كيف تغرس في طفلك حب الصدقة وعمل الخير؟
١٢ أغسطس ٢٠٢٥

كيف تغرس في طفلك حب الصدقة وعمل الخير؟

التمكين الاقتصادي: تكية أم علي وجمعية دار أبو عبدالله
٢٧ فبراير ٢٠٢٥

التمكين الاقتصادي: تكية أم علي وجمعية دار أبو عبدالله

طرق لتعليم الطفل الصدقة والتبرعات
٠٥ ديسمبر ٢٠٢٤

طرق لتعليم الطفل الصدقة والتبرعات

حملة مستلزمات الشتاء: لأطفالنا في الأردن وغزة
٠٥ ديسمبر ٢٠٢٤

حملة مستلزمات الشتاء: لأطفالنا في الأردن وغزة