كيف نغرس في أطفالنا حب مساعدة الفقراء؟

كيف نغرس في أطفالنا حب مساعدة الفقراء؟
١١ سبتمبر ٢٠٢٥

قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له."

يبين هذا الحديث فضل الصدقة وخصوصًا الصدقة الجارية وكيف أن ثوابها يمتدّ حتى بعد وفاة المسلم، حيث تظل تجلب الأجر له طالما كانت مستمرة في منافعها. وفي الإسلام، تعدّ مساعدة الفقراء والمحتاجين من أسمى الأعمال التي يمكن أن يتعلمها الإنسان منذ نعومة أظافره، لتقربه من خالقه وتشعره بمسؤوليته اتجاه مجتمعه. وعلى عكس الشائع، فأعمال الخير والمساعدة لا تقتصر فقط على الدعم المادي، بل تحمل معها الكثير من القيم الإنسانية التي تساهم في تشكيل شخصية الطفل مثل الرحمة والعطاء، بالإضافة إلى تعزيز روح التضامن والمواطنة لديه. 

لذا، في هذا المقال، سنناقش طرقًا عملية تنمي حب الأعمال الخيرية في قلوب أطفالنا، فالعطاء ليس فقط سلوكًا ناتجًا عن المحاكاة، بل هو سلوك نبيل يمكن أن يُبنى ويُعزز بالوعي والتوجيه السليم من الأهل والمربين.

إشراك الأطفال في الأعمال الخيرية منذ الصغر

قال أجدادنا: العلم في الصغر كالنقش في الحجر. لهذا فإنّ إشراك الأطفال في الأعمال الخيرية منذ سن مبكرة يساعد على تنمية قيم العطاء في نفوسهم ليصبحوا فيما بعد أفرادًا فاعلين في المجتمع. 

ولهذا، من المحبّذ أن يرى الأطفال آباءهم بمساعدة المحتاجين أو المشاركة في الأعمال التطوعية ليتعلموا أن العطاء جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية. كما يمكن للأهل أن يبدأوا بتشجيع أطفالهم على جمع التبرعات أو التبرع للفقراء والأسر المحتاجة بالملابس الممتازة الفائضة عن حاجتهم. 

ومن الأفكار اللطيفة لإشراك الأطفال في عجلة العطاء هي أن يشاركوا في حملة تبرعات حيث يساهمون بجزء من مصروفهم أو طعامهم المفضل لتوزيعه على الفقراء في حيهم. كما يمكن للأطفال المساهمة في زيارة دور الأيتام أو دور المسنين وتقديم الهدايا البسيطة أو المساعدات اللوجستية، مما يعزز لديهم الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين.

التحدث عن أهمية العطاء في الإسلام أو القيم الدينية

إن القيام بالأعمال الخيرية دون ربطها بوازع ديني أو بقيمة عليا يشبه "النقش على الماء"، إذ أن الجهود المبذولة في هذا السياق قد تذهب سدى دون أن تترك أثرًا حقيقيًا! فالأعمال الخيرية، عندما تُؤدى بناءً على قيم دينية نبيلة أو هدف إنساني سامٍ، تكون ذات تأثير طويل الأمد. ولهذا، يمكن للأهل أن يشرحوا للأطفال كيف أن العطاء هو واجب ديني وفرصة لتحقيق السعادة في الحياة الدنيا والآخرة. 

ويمكن استغلال الفرص المناسبة لقراءة قصص من القرآن والسنة، مثل قصة الصحابي عثمان بن عفان الذي كان يتبرع بكل ما يملك لمساعدة المحتاجين لترسيخ هذه القيم في نفس الطفل. كما أن المناسبات الدينية مثل شهر رمضان تكون بيئة مثالية لتشجيع الأطفال على حساب زكاة مالهم أو تبرعهم بجزء من مصروفهم لشراء الطعام للفقراء، مما يعزز لديهم فهمًا عميقًا لأهمية العطاء في الدين وربطه في دنياهم ومحيطهم عوضًا عن بقائه قصصًا خيالية ومعانٍ افتراضية.

تعليم الأطفال من خلال القدوة الحسنة 

من المهم التحدث للأطفال في كل فرصة عن أثر طرق مساعدة الفقراء، والحفاوة التي تحظى بها الصدقات في الدين. ولكن، الكلام بدون أفعال ليس مجديًا! ولهذا تكون أفضل طريقة لغرس قيم العطاء في الأطفال هي أن يكون الوالدان قدوة حسنة لهم. فالأطفال يتعلمون أكثر من خلال الملاحظة والتقليد، لذا إذا رأوا والديهم يساهمون في مساعدة الفقراء أو التطوع في الأعمال الخيرية، سيتبعون نفس النهج.

ويمكن للوالدين أن يظهروا حبهم للعطاء عن طريق تقديم التبرعات المنتظمة للمحتاجين، مثل زيارة جمعية خيرية أو تقديم الطعام للأشخاص المشردين. أو الذهاب إلى السوق بانتظام لشراء الطعام وتوزيعه على الفقراء واصطحاب الأطفال معهم. وبهذا سيرغب الطقل بتقليد والديه، ومن ثم سيشعر بأهمية مساعدته للآخرين ويعزز هذه القيمة في حياته اليومية.

استخدام الأنشطة العملية لتعليم العطاء

في هذه المرحلة، يمكن للأهل تنظيم أنشطة تطوعية دورية، كالذهاب في رحلة إلى مراكز جمع التبرعات والتبرع بقيمة من مصروفهم. أو جمع ألعابهم وأغراضهم الفائضة عن حاجتهم والتبرع بها لصالح مركز أيتام قريب، ولكن من المهم الانتباه إلى حالة الأغراض التي يتم التبرع بها وأن تزرع في قلب الطفل أن التبرع يكون فقط بالأغراض ذات الحالة الممتازة. ويمكن أيضًا تنظيم حملة تنظيف لحيّهم بالاشتراك مع الأطفال الآخرين. كل هذه الأنشطة تساعدهم على فهم أن العطاء لا يقتصر فقط على التبرعات المالية، بل أن كل عمل فيه خير يعود بالنفع عليه وعلى الجميع. 

توضيح تأثير مساعدة الآخرين على المجتمع

من الضروري أن تشرح لأطفالك أن تأثير مساعدة الآخرين على المجتمع يمتد ليشمل جوانب متعددة، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمع بشكل عام. فعندما يقدم الأفراد المساعدة للآخرين، سواء من خلال التبرع بالمال، أو الوقت، أو حتى الدعم العاطفي، فإنهم يسهمون في بناء مجتمع متماسك وأكثر تلاحمًا. وهذا النوع من التفاعل الإيجابي يعزز روح التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع، مما يقلل من الانقسامات ويوفر بيئة صحية ومُحَفِّزة للنمو الشخصي والجماعي.

علاوة على ذلك، تُساهم مساعدة الآخرين في تحسين نوعية الحياة للجميع. فعندما يكتسب الأفراد الدعم في أوقات الشدة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، يصبحون قادرين على الإسهام بشكل أكبر في المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، يتعزز الشعور بالانتماء لدى أفراد المجتمع، مما يزيد من روح التعاون ويقلل من معدلات الجريمة والعزلة الاجتماعية.

التأثير طويل المدى لغرس حب العطاء

إن غرس حب العطاء في نفوس الأطفال ليس مجرد سلوك مؤقت، بل هو استثمار طويل المدى يعود بفوائد عظيمة على الفرد والمجتمع. فعندما يتعلم الطفل منذ الصغر أن العطاء ليس مجرد فعل مادي، بل هو قيمة إنسانية مرتبطة بالرحمة والمشاركة، فإنه يحمل هذه القيم معه طوال حياته. على المدى الطويل، يصبح هذا الطفل شخصًا أكثر وعيًا واهتمامًا بمشاكل الآخرين، مما يعزز من تماسك المجتمع ويحسن من علاقات الأفراد ببعضهم البعض.

زيادة على ذلك، فإن حب العطاء يساهم في بناء شخصية متعاطفة ومهتمة بالآخرين، مما يعزز من شعور الطفل بالمسؤولية الاجتماعية ويجعله فردًا فاعلًا في مجتمعه. هذا التأثير لا يقتصر فقط على الطفل نفسه، بل يمتد ليشمل الأسرة والمجتمع ككل، حيث يساهم كل شخص في جعل العالم مكانًا أفضل.

ابق على اطلاع بأحدث المدونات

النية في الأعمال الخيرية: لماذا النية تُغيّر كل شيء؟
٠٩ سبتمبر ٢٠٢٥

النية في الأعمال الخيرية: لماذا النية تُغيّر كل شيء؟

كيف تغرس في طفلك حب الصدقة وعمل الخير؟
١٢ أغسطس ٢٠٢٥

كيف تغرس في طفلك حب الصدقة وعمل الخير؟

التمكين الاقتصادي: تكية أم علي وجمعية دار أبو عبدالله
٢٧ فبراير ٢٠٢٥

التمكين الاقتصادي: تكية أم علي وجمعية دار أبو عبدالله

طرق لتعليم الطفل الصدقة والتبرعات
٠٥ ديسمبر ٢٠٢٤

طرق لتعليم الطفل الصدقة والتبرعات