كيف تغرس في طفلك حب الصدقة وعمل الخير؟

كيف تغرس في طفلك حب الصدقة وعمل الخير؟
١٢ أغسطس ٢٠٢٥

يتساءل الكثير من الأهل عن كيفية تربية الطفل على العطاء وزرع حب الخير في نفسه. وعلينا أن ندرك أن تنمية هذا الحسّ لدى الطفل لا تأتي صدفة، بل تُبنى بالتدرج من خلال المواقف اليومية، والقدوة الحسنة، والتوجيه الواعي. كما أن العطاء والصدقة في جوهرهما ليسا مجرد تصرّف أخلاقي، بل فريضة دينية سامية تعلّم الطفل معنى الرحمة، وتُرسّخ فيه قيمة الإحسان باعتبارها امتدادًا للإيمان. وعندما ينشأ الطفل على فهم أن العطاء جزء من العبادة، لا يشعر فقط بالرضا الروحي، بل يختبر أيضًا أثرًا نفسيًا عميقًا يتمثل في الشعور بالانتماء والتعاطف مع الآخرين. ومع مرور الوقت، يتحوّل عمل الخير لديه من فعل عابر إلى سلوك أصيل يعكس تربيته وقيمه. لذا، في هذا المقال سنناقش بعض الخطوات العملية التي تساعد الآباء على غرس حب الصدقة وعمل الخير في أطفالهم بطريقة بسيطة تجذب الصغار.


القدوة تبدأ من البيت: كُن مصدر إلهام لطفلك


إنّ أول خطوة حقيقة في تعليم الصدقة للأطفال هي تعليمهم من خلال القدوة. فالطفل يتعلم من سلوك والديه قبل أن يتعلم من كلماتهم، فهو يراقب تصرفاتهم ويختزنها كمرجعية للسلوك المقبول والمرفوض. ولهذا لا يحتاج الطفل في هذه المرحلة إلى محاضرات طويلة بقدر ما يحتاج إلى مشهد حيّ يُترجم المعاني إلى أفعال، فحين يرى أهله يتبرعون بسرّ، أو يساعدون جارًا دون انتظار مقابل، أو يخصصون جزءًا من دخلهم الشهري للمحتاجين، يتشرّب هذا النمط من العطاء بشكل طبيعي.

اربط الصدقة بالقيم الدينية والإنسانية بطريقة مبسّطة


الخطوة الثانية تكمن في ربط الأعمال الخيرية بالقيم التي يعيشها الطفل ويتربى عليها، لا بالمفاهيم النظرية المجردة. على سبيل المثال، يمكن للوالد أن يصطحب طفله معه إلى المسجد، ويطلب منه بلطف أن يضع القليل من المال في صندوق التبرعات، مع شرح بسيط يوضح له أن هذا المال قد يصل إلى طفل في مثل عمره، بحاجة إلى دواء أو حذاء جديد. كذلك، في أحد الأيام التي يشتري فيها الأب أو الأم وجبة زائدة لمحتاج في الشارع، يمكن أن يتركوا للطفل مهمة تقديمها بنفسه، ليرى بعينيه أثر العطاء في وجه المتلقي، ويتعلّم من التجربة أكثر مما سيتعلم من أي درس. حتى القصص الدينية يمكن توظيفها لتقريب المعنى، مثل قصة المرأة التي سقت كلبًا فرزقها الله الجنة، إذ تعكس كيف أن الرحمة حتى مع الحيوانات لها وزن كبير عند الله. وهنا سيرى الطفل أن فعل الخير هو طاعة لله وجزء من الحب والتعاطف والرحمة، سيستوعب أن الصدقة ليست فقط "عطاء مادي"، بل انعكاس لقلب حي يشعر بالآخر. و بهذه الطريقة، تُصبح الصدقة بالنسبة له تجربة متكاملة، تمتزج فيها القيم الدينية بالإنسانية، وتترسخ في قلبه كعادة نابعة من قناعة وشعور صادق، لا من أمر أو توجيه مباشر.


نظّم أنشطة خيرية يومية لتعزيز روح التعاون ومساعدة الآخرين


بعد بناء قدوة حسنة، وربط القيم الدينية والإنسانية بالأفعال، نتجه لإشراك الطفل بأنشطة خيرية يومية ترسّخ هذه العادة في نفسه. فمثلًا، يمكن أن تطلب من طفلك اختيار لعبة أو قطعة لوضعها في “صندوق الخير” العائلي في المنزل. و في أيام المدرسة، يمكن تحفيزه على مشاركة وجبة مع زميله، أو المبادرة بمساعدة أقرانه حينما احتاجوا. هذه الأنشطة الصغيرة، رغم بساطتها، تُعلّم الطفل أن الخير لا يحتاج إلى ظروف مثالية أو تنظيمات رسمية، بل يكفي أن يكون هناك نية، وموقف، ويد ممدودة. مثل هذه العادات تزرع فيه روح المبادرة والتعاطف، وتشجعه على تقديم ما يستطيع ضمن بيئته اليومية.

أشرك طفلك في ألعاب تربوية تُعلّمه حب الخير والمشاركة


يمكنك أيضًا اللجوء إلى التعلّم من خلال اللعب كأداة تربوية قوية يمكن من خلالها غرس القيم النبيلة في الطفل دون توجيه مباشر أو أسلوب تلقيني. إذ يمكن مثلًا تصميم لعبة "صندوق الخير"، حيث يُعطى كل طفل مجموعة من البطاقات تمثل مواقف خيرية، مثل "ساعد صديقك في ترتيب أغراضه" أو "أعطِ قطعة من الحلوى لأخيك الصغير"، ويكسب نقاطًا كلما نفّذ إحداها. كما يمكن استخدام لعبة التمثيل، حيث يؤدي الأطفال أدوارًا مثل المتبرع، المحتاج، أو المتطوع، مما يوسع خيالهم ويقربهم من مشاعر الآخرين. حتى ألعاب تركيب القصص أو رسم مشاهد عن "يوم خيري" يمكن أن تساعد الطفل على تخيّل عالم تسوده المساعدة والإيثار، وهو ما يغذّي جانبه الإنساني دون أن يشعر بأنه في درس. كما يمكن استخدام تطبيقات أو قصص تفاعلية تعليمية تسرد مغامرات أطفال يقومون بأعمال خيرية، فتدمج التعلم بالمتعة وتبني نموذجًا يُحتذى به.


وجّه طفلك نحو العمل التطوعي: متى وكيف تبدأ؟


أما حين يكبر الطفل قليلًا ويصبح أكثر وعيًا بدور الفرد في المجتمع، يمكن البدء بتوجيهه نحو العمل التطوعي المنظّم. تبدأ هذه الرحلة عادة في سن 7 أو 8 سنوات بأنشطة بسيطة، لكن مدروسة، كأن يشارك في حملات مدرسية، أو يرافق عائلته في فعالية خيرية مجتمعية. ومن المهم هنا تعريف الطفل بالمؤسسات الوطنية الموثوقة التي تتيح فرصًا آمنة وملائمة للتطوع، مثل تكية أم علي، التي لا تكتفي بتقديم الدعم الغذائي، بل تفتح المجال للأطفال للمشاركة في تعبئة الطرود أو إيصالها ضمن مبادرات مجتمعية. هذه التجارب تُشعر الطفل بأنه جزء من مشروع أكبر، وأن مجهوده مهما كان بسيطًا يمكن أن يصنع فرقًا. وبالحديث المستمر عن شخصيات ملهمة وتجارب واقعية، يبدأ الطفل في رؤية التطوع ليس كواجب فقط، بل كقيمة حقيقية يعتزّ بها.

كيف تتعامل مع رفض الطفل للمشاركة في الصدقة وعمل الخير؟


من الطبيعي أن يرفض الطفل في بعض الأحيان المشاركة في أعمال الخير أو يظهر عدم حماسه تجاه فكرة التبرع أو التطوع، خاصة إذا لم يكن مدركًا لمعناها أو شعر بأنها "تأخذ منه" شيئًا دون مقابل. هنا لا ينبغي أن يكون الرد بالعقاب أو التوبيخ، بل بالفهم والتدرج. 

البداية تكون بالإنصات إلى سبب الرفض، فقد يكون ببساطة شعورًا بعدم الفهم، أو إحساسًا بالخجل، أو حتى تعلّقًا بما يُطلب منه التخلي عنه. بدلًا من فرض السلوك، يمكن تحويل التجربة إلى حوار مفتوح وموقف إيجابي، كأن يُسأل الطفل: "ما الشيء الذي تحب أن يقدمه لك أحد لو كنت في مكان هذا الشخص؟"، أو يُعرض عليه خيار المشاركة بطريقة تناسبه، مثل اختيار اللعبة التي يريد التبرع بها بنفسه، أو رسم بطاقة لمرافقة تبرع عائلي. كما أن الاستعجال في النتائج قد يأتي بنتائج عكسية، بينما التكرار الهادئ والتشجيع على المساهمة بأفعال صغيرة قد يفتح الباب تدريجيًا لقبول أوسع. تذكّر أن حب الخير، مثل أي قيمة، يحتاج إلى وقت لينبت ويترسّخ، وأن الطفل حين يشعر بالأمان والتقدير، يصبح أكثر استعدادًا للمشاركة بروح حقيقية لا مشروطة.

إنّ غرس حب الصدقات العامة وعمل الخير في نفس الطفل ليس مهمة لحظية، بل رحلة مستمرة تبدأ بالقدوة، وتُبنى بالمواقف اليومية، وتترسخ بالتجربة والمشاركة. وكل فعل صغير تقوم به اليوم قد يثمر غدًا إنسانًا كبيرًا في قيمه، رحيمًا بقلبه، ومؤثرًا في مجتمعه.

ابق على اطلاع بأحدث المدونات

التمكين الاقتصادي: تكية أم علي وجمعية دار أبو عبدالله
٢٧ فبراير ٢٠٢٥

التمكين الاقتصادي: تكية أم علي وجمعية دار أبو عبدالله

طرق لتعليم الطفل الصدقة والتبرعات
٠٥ ديسمبر ٢٠٢٤

طرق لتعليم الطفل الصدقة والتبرعات

حملة مستلزمات الشتاء: لأطفالنا في الأردن وغزة
٠٥ ديسمبر ٢٠٢٤

حملة مستلزمات الشتاء: لأطفالنا في الأردن وغزة

الصدقة الجارية: برنامج العودة الى المدارس
٠٨ أغسطس ٢٠٢٤

الصدقة الجارية: برنامج العودة الى المدارس