الصدقة عن الوالدين: فضلها وكيف يصل ثوابها إليهم

الصدقة عن الوالدين: فضلها وكيف يصل ثوابها إليهم
٢١ أكتوبر ٢٠٢٥

﴿ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾

[ المنافقون: 10]

تقول بعض التفاسير أن الله خص الصدقة بالذكر في هذه الآية لأنها من أحب الأعمال إليه، ويستشعر الإنسان فضلها وعظمة أجرها بعد موته فيطلب من الله العودة إلى الحياة الدنيا ليتصدق فينعم بهذا الأجر. أما الصدقة عن الوالدين، فهي من أعظم صور البرّ والإحسان في الإسلام، فهي تجمع بين طاعة الله وبرّ الوالدين، سواء كانوا على قيد الحياة أو بعد وفاتهم. ويكون المبدأ بأن يتصدق الابن أو البنت بنية إهداء الأجر إلى الوالدين، وقد جاءت النصوص الشرعية لتؤكد على مشروعية هذا العمل. وفي في هذا المقال سنتعرف على فضل الصدقة عن الوالدين وكيفية وصول ثوابها إليهما، مع عرض أفضل الطرق والأوقات للاستفادة من هذا العمل الصالح.

ما المقصود بالصدقة عن الوالدين؟

حين نتكلم عن الصدقة عن الوالدين، فإننا نقصد الإنفاق في أحد أوجه الخير مع وجود النية بإهداء أجر الصدقة هذه إلى الوالدين. ولا يهم وجه الصدقة فقد تكون مالًا يُنفق على الفقراء والمحتاجين، أو مساهمة في بناء مسجد أو مدرسة أو مستشفى، أو سقيا ماء، أو إطعام جائع، أو طباعة مصحف مثلًا، أو غير ذلك. وبمعناها الأوسع، الصدقة عن الوالدين ليست مجرد عطاء مادي، بل امتداد لبرّ لا ينقطع، ووفاءٌ لمن كان سبب الحياة والرحمة الأولى.

الأدلة الشرعية على فضل التبرع بالصدقة عن الوالدين

الأدلة الشرعية على فضل التبرع بالصدقة عن الوالدين كثيرة ومتنوعة، جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية، مؤكدة أن برّ الوالدين لا يتوقف بوفاتهما، وأن الصدقة عنهما عمل صالح يُثاب عليه الولد ويصل نفعه إلى والديه.

1. من القرآن الكريم:

يقول الله تعالى:

قال الله تعالى: "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ" (البقرة: 215)

في هذه الآية إشارة إلى أن أحب أعمال الخير المشروعة إلى الله هي الإنفاق في أوجه الخير وعدد بعض هذه الأوجه، ويُقاس عليها التبرع بالصدقة عن الوالدين لأنها من صور الإحسان إليهم بعد الموت.

2. من السنة النبوية:

وردت أحاديث كثيرة في هذا الباب، منها:

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة قال للنبي ﷺ: "يا رسول الله، إن أمي ماتت، أفينفعها أن أتصدق عنها؟" فقال ﷺ: «نعم». قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها (رواه البخاري).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أن رجلًا قال للنبي ﷺ: إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها؟ فقال ﷺ: «نعم، تصدق عنها» (رواه مسلم).

3. من أقوال العلماء:

اتفق جمهور العلماء على أن ثواب الصدقة عن الميت يصل إليه، واعتبروها من أنفع الأعمال الجارية التي تبقى له بعد وفاته. قال الإمام النووي: “اتفق العلماء على أن الدعاء والصدقة يصل ثوابهما إلى الميت، وجرى العمل على ذلك بين المسلمين من غير نكير”.

أنواع الصدقات التي يُستحب إهداء ثوابها للوالدين

تتنوع الصدقات التي يمكن للابن أو البنت أن يقدماها عن والديهما، فكل عمل خيري يُبتغى به وجه الله يمكن أن يُهدى ثوابه لهما. وفيما يلي أبرز الأنواع التي ورد فيها الفضل، ويُستحب إهداء ثوابها للوالدين:

1. الصدقة الجارية:

«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم).

والصدقة الجارية هي الصدقة التي يستمر نفعها بعد تقديمها، فيبقى أثرها قائمًا ويُكتب لصاحبها أجرها ما دام الناس ينتفعون بها، كحفر بئر، أو بناء مسجد، أو المساهمة في مدرسة أو مستشفى خيري، أو إنشاء وقف يعود ريعه على المحتاجين. فهذه الصدقات تُعدّ من أعظم وأفضل الصدقة للوالدين، لأن أثرها ممتد وثوابها متجدد.

2. الصدقة اليومية:

أما الصدقة اليومية فهي التي يقتصر نفعها على وقت أدائها مثل إطعام فقير، أو كسوة محتاج، أو دفع نفقات علاج لمريض، أو تفريج كربة عن إنسان. هذه الصدقات وإن كانت مؤقتة، إلا أن إخلاص النية يجعلها عظيمة الأجر.

3. الصدقة بالعلم: 

كطباعة المصاحف أو الكتب النافعة، أو نشر العلم سواء كان في علوم الشريعة أو العلوم الحياتية، أو تمويل منصات تعليمية خيرية. فهي صدقة تجمع بين نفع الناس وإحياء ذكر الوالدين بالخير والعلم النافع.

4. صدقة الماء والسقيا:

من أحبّ الصدقات إلى الله، فقد قال النبي ﷺ: «أفضل الصدقة سقي الماء»، وهي صدقة يسيرة الأثر وعميقة البركة، يمكن إهداء ثوابها للوالدين الأحياء والأموات.

5. الصدقة في صورة خدمة أو وقت:

كالعمل التطوعي أو خدمة الناس بنية أن يكون الأجر للوالدين، فهو يدخل في معنى الصدقة أيضًا. فكل معروفٍ يُبتغى به وجه الله يُكتب صدقة، ولو كان كلمة طيبة أو مساعدة لمحتاج.

أفضل أوقات الصدقة عن الوالدين

من أجمل ما يمكن أن يفعله الإنسان عند التصدق عن والديه هو تحري أوقات الاستجابة ومضاعفة الأجر، فالله تعالى جعل في بعض الأوقات بركةً خاصة، تُضاعف فيها الحسنات. ومن هذه الأوقات يوم الجمعة، الذي تُعدّ ساعاته من أعظم أوقات القَبول، وخاصة الساعة التي تسبق غروب الشمس، وهي ساعة يُستحب فيها الدعاء والصدقة بنية أن يبلغ الله ثوابها الوالدين.

كذلك شهر رمضان، موسم الرحمة والمغفرة ومضاعفة الأعمال، حيث تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار، والصدقة فيه عن الوالدين تُكتب بأجر مضاعف. ومن الأوقات المباركة أيضًا العشر الأوائل من ذي الحجة، ويوم عرفة، وأيام العيد التي يُستحب فيها إدخال السرور على الفقراء والمحتاجين. كما أن الثلث الأخير من الليل وقت تُستجاب فيه الدعوات ويُقبل فيه العمل بإذن الله.

الصدقة برٌّ متصل لا ينقطع

للوالدين على أبنائهم فضل عظيم، ولهذا كان برّهما في الإسلام واجبًا. ومن أصدق صور البر المستمر هي الصدقة عنهما، إذ أنها جائزة في حياتهما ولا تتوقف بعد موتهما، بل تمتد لتكون عملًا يربط الأبناء بهما، ومن خلالها يواصل الأبناء إحسانهم، فينال الوالدان الأجر، ويُثاب الأبناء على برّهم ونيّتهم الخالصة.

ولمن أراد أن يُهدي والديه صدقةً تصل نفعها حقًا للمحتاجين، يمكنه التبرع عبر تكية أم علي، التي تقوم بتوزيع الصدقات نيابةً عن المتبرعين وتقديم وجبات الطعام للفقراء في مختلف مناطق الأردن. من خلال تكية أم علي، يمكن أن تكون صدقتك عن والديك بابًا من الرحمة المستمرة، تطعم جائعًا، وتفرّج كربة، وتبقي أثر البرّ حاضرًا ما دام العطاء قائمًا.

ابق على اطلاع بأحدث المدونات

أهمية التبرع لغزة وأثره على تحسين حياة الأطفال والعائلات المتضررين في القطاع
٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥

أهمية التبرع لغزة وأثره على تحسين حياة الأطفال والعائلات المتضررين في القطاع

كيف نغرس في أطفالنا حب مساعدة الفقراء؟
١١ سبتمبر ٢٠٢٥

كيف نغرس في أطفالنا حب مساعدة الفقراء؟

النية في الأعمال الخيرية: لماذا النية تُغيّر كل شيء؟
٠٩ سبتمبر ٢٠٢٥

النية في الأعمال الخيرية: لماذا النية تُغيّر كل شيء؟

كيف تغرس في طفلك حب الصدقة وعمل الخير؟
١٢ أغسطس ٢٠٢٥

كيف تغرس في طفلك حب الصدقة وعمل الخير؟